كنا نخوض رحلات مكوكية من المعلا الى الشيخ عثمان حيث سوق الشريجة الذي كان موقعة في جولة المصعبين، و فيه كنا نجد جميع منتجات مصانع هائل سعيد و اليماني و كان المنتج المبهر في تلك الفترة هو المانجو ديكو و بسكويت أبو ولد.
كانت مسألة تحويل العملة من الريال الشمالي الى الشلن الجنوبي أو العكس قائمة على المبايعة و الفضول أحيانا، و كانت العملة الشمالية ورقية بالكامل بعكس العملة الجنوبية التي كانت خليط بين عملات معدنية و ورقية.
في ذلك الوقت بدأنا نشاهد الأكشاك التي تبيع الشوكلاتة و البسكويت و العصائر، و محلات غسيل الملابس و الخضار، تنتشر في شوارع عدن، و شعرنا بأن الشماليين كلهم تجار بالفطرة، طبعا لأن اغلب سكان الجنوب آنداك وعدن تحديدا يعملون بالقطاع العام للدولة و لا يفقهون بالتجارة إلا القلة القليلة.
أيامها أبي أخذنا في رحلة يوم الجمعة الى محافظة تعز و اللواء الأخضر إب، برفقة شخص شيباني، كنوع من الرحلات المبرمجة لتعرف على المناطق الشمالية، و كان كل واحد يقابلنا يعزمنا عنده و أكلنا سلته وكانت أول مره و رجعنا بنفس اليوم الى عدن وعندنا إنطباع جيد عن المناطق الني زرناها.
عارفين عندما تعيش الإنفتاح في حرية تغيير الشنبل (الزنوبة) الى صندل أو عدم الوقوف في طابور المجمع الاستهلاكي وتذهب بمل حرية لتشتري المنتج الذي تريد من البقالة و ترى التفاح يباع في كل محلات خضار و هي الاشياء التي كنا محرومين من فعلها بشكل اختياري ايام الحزب.
في بداية الوحدة بدأت الوزارات بتوزيع السيارات على موظفين الدولة، بلوحات حكومية خضراء، و بعدها عملتها بنظام التمليك بأسعار رمزية، و أذكر الوالد الله يرحمة أخذنا للوزارة لك نختار بين صالون نيسان بترول ديزل و لا نيسان التيما، و كانت قبلها سيارة ايسوزو، و شعرت بأننا من عائلة برجوازية.
في عدن كانت اغلب المنازل ملك أشخاص قد صادروها منهم أيام قانون التأميم، و بعضها كانت تابع للانجليز و اخرى بناها الحزب كلهم وزعوها على المواطنين بعقود إنتفاع يعني تعيش بالبيت مع العفش ببلاش طول عمرك ولكن البيت يبقى ملك للدولة و كان توزيعها عبر اللجان الشعبية، في كل حي، و كانت حسنة الحزب الوحيدة أنه أصدر قانون التمليك للمواطنين قبل الوحدة بعدة أشهر.
فكل مواطن لديه عقد إنتفاع لعقار أو شقة يذهب للجان بالحافة التي يسكن بها و تعطية عقد تمليك نهائي، بعدها أصدرت الدولة الموحدة قانون تعويض للملاك بأراضي في شمال عدن و أعادة لهم المحلات التجارية فقط و بقاء السكان في منازلهم و هو ما طبق حتى اليوم.
أيام الوحدة تم تطبيق قانون إداري للوزارات الحكومية يقضي بما معناه نقل الموظفين بين الشطرين يعني مثلا كل مدير جنوبي له نائب شمالي في صنعاء و العكس في عدن و بدأنا نختلط في المدارس مع ابناء الشماليين سوى بصنعاء او عدن.
بدأت عروض جديدة لم نألفها في الجنوب مثل ان يأتي مقاول بناء لك يأخذ قطعة أرضك بإتفاق و يبنيها لك بمليون شلن في حاشد المنصورة 3 طوابق و يأخذ المحلات منك و طابق لمدة 15 سنة أو أكثر و يعطيك الباقي و أعرف أكثر من واحد عملها و رجع له العقار بالكامل قبل 2005م و أعرف ايضا اشخاص طار حقهم بالكامل.
بعد الوحدة مباشرة حدث غزو الكويت و اتت مشكلة العائدين او المطرودين من الخليج بسبب وقوف اليمن مع العراق و حصلت تغييرات كثيرة في المجتمع انداك، تأثرنا بها في المدارس خصوصا لأن أعداد الاسر العائدة كان كبير و رغم هذا هم استفادوا من حدوث الوحدة و الإنفتاح بعمل المشاريع التجارية البسيطة لتساعدهم ع العيش.
و من اول سنة وحدة بدأت عمليات الاغتيال للكوادر الشطر الجنوبي سوى في عدن او على الطريق الى صنعاء و بالرصاص الحي اول واحد سمعت فيه كان وزير الانشاءات على ما اظن و بدأ الناس عندما يسمعون حوادث الاغتيال يقولون (دقه كلب بالطريق و تقلبات السيارة) و حصدت اروح كثيرة من بداية 1991م.
مثلا حادثة وفاة الفنان احمد قاسم بحادث سيارة و حادث اغتيال عمر جاوي بصنعاء و اكبر حادث تأثرت فيه هو اغتيال أبن اخت الرئيس علي سالم البيض في مدينة الشعب على ما اذكر و كانت طريقة صعبة لانهم رشوه بالالي في وسط الشارع و أيامها دفناه في مقبرة القطيع بكريتر و كانت جنازة شبه شعبية كبير و كانت تعتبر استهادف مباشر للبيض.
طبعا حصلت قبلها في 92م محاولة اغتيال للبيض عن طريق السم البطيىء و اكتشفها عندما سافر ألمانيا للعلاج و عندها رجع مباشرة لعدن و لم يعد لصنعاء، و ايامها مش بدأنا نشعر بالتغيير الديني اللي بدء يتغلغل بين العائلات و يعلمنا الإسلام من جديد و لبس النساء الحجاب و العباية بدل الشيدر، و اهتمام المتدينين باقفال مصنع البيرة محاربة و إختفاء السيسبان (وهي منطقة شمال عدن كان يمارس فيها الدعارة) و تفشي مظاهر التدين بصورة واضحة.
طبعا قصة التدين في عائلتي قبل الوحدة كانت إن ابن عمتي متدين و يخبي الكتب الدينية في فريز الثلاجة و اكثر من مره قبض عليه لنشاطات مشبوهة و لولا معرفة أبي الله يرحمة بحيدر العطاس ايام ما كان وزير للانشاءات و أبي مدير مكتبة كان راح فطيس، المهم ايام الاغتيالات كانت مستمرة مع صعود التيار الديني.
و حدثت حوادث كثيرة في تلك الفترة منها ان الزواجات ايام الحزب تعتبر باطلة و لازم تعملوا عقد زواج جديد شرعي و كدا و حادثة لينا عبد الخالق بنت وزير العدل الجنوبي التي هربت الى صنعاء لمنزل الزنداني بحجة ان والديها كفار ملحدين فيحب ان تهاجر كما هاجر المسلمون الاوئل.
و للاسف تمت قتلها في منزل الشيخ الزنداني عام 93م و قيل انداك انها انتحرت و القصة معروفة و اللي يحب يطلع عليها فقد كتب عنها الكاتب رشيد الخيون في مقالة طويلة اسمها (الزنداني و صحبه يشرئبون)، و مع هذا الحوادث لم يمنع الناس من الإحساس بالانتعاش الاقتصادي و تعدد مصادر الدخل و بناء البيوت بدون قيود و البيع و الشراء.
بدأت الناس تشعر بالفرق خصوصا انهم شاهدوا هذه التغيير على كوادر الحزب الذين كانوا يؤيدون التأميم و فرضوها على الناس وهذا كان احد الأسباب القوية لضعف الارادة الشعبية ايام حرب 94م و عدم المشاركة بقوة ملحوظة، حتى ان أيامها كان في ختطاف للشباب من الشوارع للمشاركة في الحرب و كان اغلبهم بدون ارادة.
على المستوى الإجتماعي تفشت ظاهرت الرشوة و المحسوبية و الواسطة و التقوقع خلف العائلة و القبيلة و هذا شيء كان غير موجود قبل الوحدة و كان يحارب من قبل الحزب الاشتراكي حتى ان الحزب جعل اسماء المحافظات بالارقام ( الخامسة تعني حضرموت و الاولى تعني عدن و هكذا)، طبعا هذا التقوقع و العودة للقبيلة كان له أسبابه الطبيعية لمجارة الواقع السائد في الشمال.
و مع هذه التغيرات بدأت الناس تفقد الثقة في الامن و جهازها الشرطي الذي بدا يطلب أموال لكي تتم متابعة قضيتك او مصاريف للتقاضي و الى اخره من التغييرات اللي دخلت علينا التي تجعلك تسأل هل نحن كهذا بطبيعتنا و لا الحزب كان يهذب سلوكنا؟.
في المجمل اغلب التغييرات الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الظلم و حوادث التسريح الجماعي للجيش او بيع المصانع للقطاع الخاص او تدميرها او سياسة (خليك في البيت) التي مورست ضد موظفين الحكومة و المسؤولين الجنوبيين التي حصلت في عدن خصوصا و الجنوب عموما كانت بعد حرب 1994م.
بين 92م و حرب 94م كانوا الناس تحس ان في قطيعة سياسية بين البيض و صالح و كان في تخوف من حصول حرب و اتذكر ايامها ان الخطاب كان الاستقرار و ان الجنوب كل 5 سنوات يدخل في حرب و كدا و هذا كان له واقع في نفسية الناس اللي بدات تشعر بالامن النسبي من حماقات الرفاق بعد الوحدة.
طبعا هنا لم اتكلم عن المعارك السياسية و الانتخابات التي اجريت في 92م او 93م و كانت اغلب الأصوات في عدن للحزب الاشتراكي مع بعض المراكز راحت للاصلاح و المؤتمر و هذا تغير بالكامل بعد الانتخابات بعد حرب 94م فقد حصد الاشتراكي اقل المقاعد و الغريب اننا اتذكر ان نفس المرشح تحول للمؤتمر.
بداية حرب 94م لا اتذكرها بشكل مرتب و لكن اكثر ما تذكرة كيف كان اول همنا تعبئة البوالد البلاستيك بالماء و نروح للشحاري (البقالة) و نأخذ راشن (التموين الشهري)، اعتقد هذا تقليد رسمي تعلمناه من احداث 86م و نخبي السيارة بالجراج كان ابي وكيل وزارة في الاشغال اللي كانت الانشاءات و كانت من مهامة تصليح مدرج مطار عدن لانهم ضربوا المدرج عشان ما تطلع الطيارات الحربية.
كان في حافون روضة اطفال نزحوا اليها اسرة من الضالع و اقترح رب الاسرة علينا ان نحفر بئر للماء في ساحتها، و اتذكر كان في واحد يشتغل في مؤسسة عذبان وفر لنا ماطور ماء مجانا لكي نستحرج الماء من البئر، لأن وقتها كان الماء انقطع و اغلب المنازل ما كان فيها خزانات ماء، و الماء و الكهرباء ايامها كانت متوفر 24/24 (ما عدى في 86م كنا نجيب الماء من الدوكيارد و دي ذكريات ثانية لحد الان ما قدرت انساها رغم انها حرب قصيرة بس كانت مؤثرة) المهم الشباب حفروا البئر و كان الماء فيه متوفر و طول الحرب.
و كنا نجلس بالحافة لان أي واحد يخرج تمسكه لجان التعبئة و تأخذه للجبهة و كانت أكبر جبهة هي دوفس أبين و لواء العمالقة على ما أذكر، كنا نقضي وقتنا بالحافة نلعب بطه و دحام بالفحم و كرة طائرة و نعبي ماء و أيامها بدا كأس العالم في أمريكا.
نسيت اقولكم اننا قبل الحرب تشاركنا ستة بيوت كل ثلاثة بيوت بعمارة و اشترينا 2 ادياش كبيرة مع 6 رسيفرات و جبناهم بالدولار و كان ايامها لازم تدفع رسوم لهيئة الاذاعة و التلفزيون سنوي على استخدام الديش و جبناه و ركبناه و كان عيد قوي لنا و كله عشان mbc و دبي و منه تابعنا كأس العالم.
كانت كل اخبار الحرب دحرناهم دحرونا دحرناهم دحرونا و بس و كانت متعة متابعة اخبار mbc و توفيق جازوليت و حسن زيتوني واحد بعدن و الثاني بصنعاء و هبلك متابعة للاخبار باليل و النهار ماء جنب البئر و العصر نلعب بطة و دحام .
واتذكر حدث مهم جدا يوم ما اعلن البيض فك الارتباط في 21 مايو 1994م كانت سماء عدن ترعد بالرصاص، تعبيرا عن الفرحة و اتذكر ان في جار لنا ضرب و عندما دخلوا الشماليين واعلنوا انتهاء الحرب برضه حصل نفس الضرب باليل و نفس الجار ضرب برضه و يمكن أكثر شوية.
و هذا اليوم كان مشهود لانه حدث فيه النهب العظيم و السلب المشين لكل ممتلكات الدولة من الشعب و من العسكر بدون استثناء مواد غذائية و أسلحة و سيارات و منازل و مباني بكل انواعها ناهيك عن الانتقامات الخ
حتى اتذكر كانت معنا صالون اخذوها من تحت البيت بالطلب يعني قالوا للوالد هات المفتاح، و لأنهم مسلحين و من الجيش المنتصر عطاهم السيارة وهي حق الحكومة أساسا ولك لا يأخذ سيارتنا الشخصية.
بعدها بأيام بدأنا نشوف المخالفات في الطرقات والعشوائية في السير والسطو على البقع و المتنفسات و المدارس و الوزارات و اي منطقة خالية وسط المدينة حتى محطات البترول اخذت غنيمة و الكلمة السحرية (ما يضر حق الدولة).
طبعا الوالد اللي يرحمة من النوع اللي ما تاقلم مع الوضع و اخذت منه صلاحياته في العمل حتى انه فترة طويلة كان خليك في البيت يوقع على شيكات الرواتب بس لحد ما رجع للعمل بعد سنوات بس مكتب بدون اي عمل لتقاعد و كأنه عقاب منظم من فوق.
ما سبق كله يعتبر جزء صغير من ذاكرتي عن تلك الفترة كتبته بشكل ارتجالي بسيط لعله تستطيع ان تعيش اللحظة كما عشتها.
دمتم في امان الله