الثلاثاء، نوفمبر 28، 2017

إستراتيجية السيطرة و لعبة ملء الفراغ

منذ بداية هذه الحرب و المملكة العربية السعودية تحاول السيطرة على ما تبقى من تحالفها القديم مع مراكز القوى الحاكم في شمال اليمن، المتمثل بقوة القبيلة و تحديدا قبيلة بيت الاحمر، التي تمتلك نفوذ واسع في مقاليد السلطة، و تربطها علاقات متينة معها.

تلك المراكز التي استثمرت السعودية بها المليارات على مدى عقود في سبيل تشكيل حاجز يكبح طموح اي سلطة رسمية تحاول إظهار استقلالية و إرادة حقيقية لدولة، و قد وجد هذا الدعم دائما ضالته على مدى تاريخ اليمن الحديث.

خلال السنوات السابقة، أصيبت هذه المراكز بالضعف، بعد أن خاضت الحرب ضد جماعة أنصار الله الحوثية انتهت بإستيلاء الأخير على العصيمات مسقط رأس قبيلة بيت الاحمر في سبتمبر 2013م، حتى سقوط عمران في يوليو 2014م، و اجتياح صنعاء في سبتمبر 2014م، و دخولهم منزل شيخ قبيلة حاشد الشيخ صادق الاحمر، و بطبيعة الحال مهدت كل هذه الأحداث إلى ما يعرف بإعلان الإنقلاب على حكم الرئيس هادي في فبراير 2015م.

ان فهم استراتيجية السعودية في التعامل مع شمال اليمن، و معرفة ماذا يمثل لها، هو ما سيحدد لنا ماهية العلاقة المستقبلية في المنطقة و سيحدد أيضا موقفها من الانفصال أو الوحدة و متى و كيف ستنتهي هذه الحرب.

فهذه الاستراتيجية كانت تعتمد على إبقاء اليمن كدولة تابعة تحت سيطرتها الغير مباشرة مع التحكم في مشاركة القرارات السيادية و تقديم النصيحة أن لزم الامر، حتى إذا تمردت السلطة في اليمن و اتخذت قرارت فردية تؤثر على السعودية، فالاخيرة تستخدم ورقة الضغط القبلي و الأيدي العمالة في المملكة و غيرها من الضغوطات لتعطيل مثل هذه القرارات، و هذا ما فقدته المملكة بعد انقلاب الحوثي على السلطة في 2015م، و تسعى لإستعادته فعليا.

و يبدو أن السعودية تحاول منذ إستكمال تحرير المناطق الجنوبية في أكتوبر 2015م، و التي تخضع حاليا لسلطة الشرعية، إلى إستخدام طرق اقل كلفة في التعامل مع الحوثيين في المناطق الشمالية، و ذلك عن طريق تأليب القبائل و محاولة خنق الحوثي من الداخل، رغم توقف شبة تام لأغلب جبهات القتال التي يتولاها انصار حزب الاصلاح، و هو ما اطال فترة الحرب كل هذه المدة بدون اي تقدم يذكر.

في الوقت الحالي يبدو ان تعقيدات الوضع الإقليمي و تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة و حادثة إطلاق صاروخ بالستي يصل إلى الرياض في مطلع نوفمبر 2017م، قد دق ناقوس الخطر لدى للمملكة، مما جعلها تسارع في إعادة صياغة تحالفاتها و الاتجاه للاعتماد على التجمع اليمني للإصلاح، بدلا عن اعتمادها على حزام قبائل طوق صنعاء، الذي أثبتت التجربة عدم فاعليته في القضاء على جماعة الحوثي.

يعزز هذه الرؤية مقابلة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع قيادات التجمع اليمني للاصلاح ( الاخوان المسلمين فرع اليمن ) في الرياض و التي من خلالها يسعى لأعطى الإصلاح دور أكبر في السلطة و تحريك الجبهات المتعرقلة منذ سنتين تقريبا، معتمد بذلك على ايدلوجية هذا الحزب و اعداد منتسبية و علاقته القوية داخل القبائل و ترامي نفوذه في مناطق مثل مأرب و تعز.

إن تقارب المملكة مع قيادات الإصلاح ليست وليدة الصدفة أو كانت غائبة و تم التفكير بها عشوائيا بل هي موجود منذ زمان، منذ استقبال قيادات الحزب عند فرارهم من صنعاء وعلى رأسهم علي محسن الاحمر الى الرياض، و وضعته كمشارك في عمليات الحرب ناهيك عن اختياره لمنصب نائب رئيس الجمهورية بدلا عن بحاح.

وايضا الموافقة على تمثيله عن اليمن في مؤتمر التحالف الإسلامي لمكافحة الارهاب و الذي عقد قبل عدة أيام، و هو من يعرف عنه دعمه لحزب الإصلاح، و قد كان مساهما مع علي صالح ( بحكم منصبة و قربة من صالح ) في احتضان الجماعات الأصولية منذ عودتها من حرب أفغانستان عام 89م، و دمجهم في بعض وحدات الجيش.

كل هذه التحالفات الجديدة ستكون لغرض التعجيل في حسم الحرب و تهيئة البديل الذي يستطيع ملء الفراغ السياسي و الاجتماعي(الديني)، فيما إذا تم القضاء على جماعة أنصار الله الحوثية أو تحجيم قوتها، التجمع اليمني للإصلاح يكاد يعتبر الطرف الوحيد الموالي للشرعية و لازال يحتفظ بقواعده الحزبية و أعضاء فاعلين على الأرض و هم يجيدون هذه اللعبة.

من جانب أخرى يبدو فعلا أن استراتيجية السعودية في الجنوب مبهمة و غير واضح كما هي واضحة في الشمال، فمن بداية التحرير و السعودية أوكلت مهمة إعادة السيطرة و بناء و تمهيد إعادة الحياة الاجتماعية و السياسية و الأمنية للإمارات لتتفرغ هي للشمال.

يبدو ان مفاتيح الجنوب ليست بتلك التعقيد منه في الشمال، و ايضا قد يكون الجنوبيين لا يمتلكون تلك الخبرة التي تجعلهم يستخدمون التفاوض السياسي أفضل إستخدام، و لعل السعودية تعتقد بأن الجنوب يسهل السيطرة عليه فيما إذا حاول التمرد على إرادتها، و الأهم أنها لا ترى بأن الجنوب يشكل تهديدا لأمنها القومي او على حدودها، لهذا لا توجد لديها جدية في التقارب مع الجنوبيين في الوقت الحالي، و كل الشواهد تقول بأنها تدعم اليمن الموحد و إن تركت مساحة مبهمة في حال تغيرت عندها بعض المعطيات كإستخدامهم كورقة ضغط إضافية على السلطة في المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق