الأربعاء، يناير 06، 2021

ماذا بعد قطر؟

شاهدنا اليوم الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها امير دولة قطر تميم بن حمد من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و التي اتى كمفاجأة للجميع في طريقة الاستقبال بعد سنوات من قرار المقاطعة التي اتخذتها فيما يعرف بدول المقاطعة (السعودية و البحرين و الامارات و مصر) ضد دولة قطر نتيجة سياستها الخارجية و تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول، و التي كانت احد شروط العدول عن هذه المقاطعة ان تتخلى قطر هذه السياسة.

اظن برغم من سعادة الشارع العربي عموما بأي مصالحة بين الدولة العربية و لكن طريقة و حفاوة الاستقبال لم تستطع محو ذاكرتنا القريبة عن الآلات الإعلامية التقليدية و الغير تقليدية التي استخدمها كلا طرفي الصراع العربي القطري.

من المنتصر من هذه المصالحة و هل اتت المقاطعة بثمارها؟ مثل تلك الاسئلة من الصعب التكهن باجاباتها طلما تستمر سياسة الانظمة العربية و اصحاب الراي باتباع حكامهم في السراء و الضراء بدون تفسير لتغير المزاج السياسي على الاقل.

بتأكيد حدثت تفاهمات و مباحثات قادتها دولة الكويت و بتأكيد حصل تراضي و نزع فتيل تلك المقاطعة و لكن بتاكيد اغلب الاعلام الذي انساق خلف تاجيج الخلافات بين الطرفين لم يتوقعوا انتهائها بتلك الصورة الدرامية و عبارة (الله حيوه في المملكة) التي خاطب بها ولي العهد الأمير تميم عند اول لقاء.

ما حدث ليست مستغربا كليا دائما كان اتخاذ القرار السياسي السعودي في الشؤون الخارجية مصدر من مصادر الغموض التي لا يستطيع اي شخص قرأتها بشكل واضح بسبب امكانية تغييره حسب تحديث المعطيات و المصالح السياسية وتلك ميزة القوية لا يمتلكها أي نظام سياسي آخر في المنطقة.

إذا قمنا بالمقارنة بين مواقف دول المقاطعة مثلا من المصالحة السعودية القطرية ستجظه متبايناً، طالما لم تحقق مطالب تلك الدول من النظام القطري لتحسين العلاقات معها لهذا تشعر بفتور دبلوماسي في التعليق على المصالحة خصوصا من مصر و البحرين التابع المغلوب على امره و المتضرر الاكبر من سياسة قطر الخارجية.

اما الامارات فهي لها مشروعها الخاص و طموحها، فالعلاقات مع قطر، مثلها مثل العلاقات مع السعودية، مثل العلاقات مع عمان، مثل العلاقات مع اسرائيل، مثل العلاقات مع اليمن و جميع فصائلة، مبنية على مصالح اقتصادية و منافع مستقبلية.

لهذا تجد ان رقعة الخلافات بين السعودية و الامارات تزداد اتساعاً كلما فرضت السعودية حلولها الغامضة على الأحداث الجارية، خصوصا في المناطق التي تشكل بينهما نفوذاً و مصالح مشتركة و السعودية حتى الان بحكم قوتها الاقتصادية و مكانتها، و تستطيع كبح لجام الحصان الإماراتي الجامح في القضايا المشتركة.

الجميع يعلم ان سبب تسريع المصالحة الخليجية و حضور كوشنر كممثل لترامب و ذلك قبل انتهاء ولاية ترامب الرئاسية، هو من اجل ان لا يجير هذا الانجاز لإدارة بايدن الرئاسية، وهذا ما هو ظاهر للجميع و لكن في ظني ما هو الا تسريع لخطوات التطبيع العربي الإسرائيلي.

اما من يسأل عن تأثير تلك المصالحة على الوضع اليمني فأنا غير متفائل بأن هناك تحسن كبير سوف يطرأ، او انها سوف تقلل من تدخل قطر عبر ادواتها او حتى في تقريب وجهات النظر بين الحوثيين وإيران و السعودية و الرئيس هادي مثلا، و بكل صراحة اقولها من المبكر التنبؤ بأي تأثيرات على المصالحة غير بعض الكلام الدبلوماسي المنمق التي نسمعه من افواه السياسيين بحكم العرف الدبلوماسي و البرتوكول.

إتفاق الرياض فرصة من ليست لديه فرصة

قد يختلف معي بعض الذين يرون في اتفاق الرياض تنازلاً وتراجعاً عن الوعود التي قطعها المجلس الانتقالي على نفسه ولمؤيديه، خصوصاً بعد الإعلان عن حصص الحقائب الوزارية التي تحصل عليها كل طرف في هذه الحكومة الجديدة.. ولكني أعتقد أن الانتقالي تعاطى مع المفاوضات بكل براغماتية ممكنة، خصوصا خلال الفترة التي تلت التوقيع على الاتفاق ووضع العراقيل المختلفة في التنفيذ. 

البعض يعتقد بأن استرداد الحقوق السياسية لا يأتي إلا بالقوة والسلاح، مع أن جميع التجارب التي عايشناها حول العالم تقول لنا بأن أي حل سياسي لانفصال دولتين يجب أن يكون بتراضي أطراف النزاع أو باخضاع طرف للطرف الآخر.. وطالما لا يستطيع أي طرف من أطراف النزاع حاليا اخضاع الآخر فإن اتفاق الرياض هو فرصة لمن ليست لديه فرصة، لهذا في رأيي حول نتيجة الاتفاق وتوزيع الحقائب الوزارية، فإن ما توصل اليه المجلس الانتقالي يعتبر أفضل نتيجة تحصل عليها مع الاخذ في الاعتبار كمية الضغوط الخارجية التي مورست ضده. 

‏إن نوعية الوزارات والحقائب الوزارية وحلف اليمين الدستوري شكليات قد تم تكرارها سابقا ولن تكون عائقا امام اي كيان براغماتي يفكر بطريقة سياسية رزينة، وهذا ما كان الحراك الجنوبي طوال سنوات يفتقده او لنقل انها سنة الحياة فالثائر له الشارع، والسياسي له المنصب، ومن جانب آخر التوزيع الوزاري ما هو الا تمثيل سياسي أكثر من كونه تقسيما لوزارات يمرح بها كل وزير بما شاء ويعتبرها ملكية خاصة له ولحزبه.

ما حدث يعتبر إنجازا للمجلس الانتقالي ككيان حديث النشأة عمره لا يتجاوز الثلاثة اعوام منذ التأسيس، تعرض لحملات تشويه اعلامية وحرب عسكرية، إلى كونه يستحوذ على 5 وزارات، متساو بالعدد مع اقوى الأحزاب الرئيسية في حكومة الشرعية والتي تمتلك باعا سياسيا طويلا وكوادر وتحالفات عميقة سواء مع الاحزاب الاخرى او القبلية، والتي لا يمتلك مثلها المجلس الانتقالي اطلاقا. 

‏‎انا كمواطن فعلا يهمني الاستقرار وانخفاض سعر صرف العملة الوطنية وانتعاش الاقتصاد الذي ينعكس على المواطنين بشكل ايجابي، ولكن ايضا اتمنى ان يكون اتفاق الرياض فرصة يستفيد منها المجلس ككيان سياسي ممثل للجنوب بحكم نصوص الاتفاق من الدخول في هذه الحكومة في اعداد كوادر سياسية ‏‎تستطيع ان تتعلم ادارة الدولة ومعرفة مفاصلها وحجم مشكلتها ونوعيتها وكيفية التعامل معها واكتساب الخبرة في التعامل مع النظام الحكومي والبيروقراطي والذي كان يفتقدها ايام اعلان الإدارة الذاتية، فلا احد يريد ان يكرار اخطاء الماضي في اعادة تدوير الكوادر والقرارات غير المدروسة.