الأحد، فبراير 14، 2021

ملجأ العامرية

 


قبل أيام مرت علينا الذكرى ال 30 على قصف ملجأ العامرية في بغداد من قبل القوات الامريكية و الذي راح ضحيته من المدنيين ما يقارب ال 400 عراقي و 26 عربي بينهم 250 امراة و 50 طفلا.

لم أكن في الكويت او العراق وقتها لكن قبلها كنت في الكويت تحديدا عام ٨٩م  و كانت زيارة عائلية هدفها إجراء عمليه لوالدي في العين لان الكويت انداك كانت تمتلك تكنلوجيا طبية جديدة في وقتها لجراحة العيون وهي عمليات الليزك.

سافرنا من عدن عاصمة اليمن الجنوبي قبل الوحدة ذات النظام الاشتراكي المنغلق الا على بعض الدول الصديقة للنظام الحكم و من ضمن تلك الدول كانت دولة الكويت الشقيقة والتي سمح لنا بالسفر اليها لتلقى والدي العلاج الغير متوفر في عدن.

و اقمنا حوالي شهرين و اتذكر انطباعي الأول عن دولة الكويت لانها لا تنام فقد وجدت الشوارع مضاءة حتى شروق الشمس و عند وصلنا لمنزل الضيافة و جدت على ماىدة الافطار علبة حبن مثلثات ذهبية كانت بنسبة لي كل شيء لا اتذكر الكويت الا بالحبنة المثلثات الذهبي التي كنا لا نراها اطلاقا في عدن حتى ٩٠م.

في الكويت قابلنا عائلة حضرمية هم ايضا جيران لنا في عدن، اتوا الى الكويت هم سافروا للكويت من أجل ادخال ابنهم البكر المعاق ذهنية الى احد دور الرعاية بمثل حالته الطبية وهو ما تم فعلا و عدنا الى عدن جميعا بعد ان اجر والدي حجز لاجراء العملية بالليزك في السنة القادمة.

و طبعا لم انسى ان أحضر معي حقيبة مليئة بعلب الجبن المثلث الذهبية و لولا اننا عدنا في وقت كان النظامين السياسيين في الشمال و الجنوب قد اتفقا على اقامة الوحدة و فتح الحدود تدريجيا لكنت علب الجبن قد صُدرت في جمارك مطار عدن بسبب العشور (الجمرك) او لانها مأكولات برجوازية ترمز للرأسمالية و استحلاب الفلاحين.

في اغسطس ١٩٩٠م، حدث مالم نتوقها، غزو الكويت و الذي كانت بمثابة كاثرة على المستوى الشرق الاوسط و العالم و كارثة اكبر في عالمي الصغير و عالم أبي عندما تأجل حلمه في أجرى عملية الليزك او الليزر، ناهيك عن انقسام الشارع اليمني بين مؤيد و معارض جانبين ضد غزو الكويت و في اعتقاد من كان يؤيد كان يظن بحماقة بأن صدام سوف يحرر فلسطين عندما أطلق  عدة صواريخ سكود على تل ابيب.

نعود لمحور ذاكرتي عن ملجأ العامرية في احدى الايام بعد الغزو في علمنا من  جيراننا الذين كانوا معنا في الكويت بأن ابنهم المعاق قد تم اخذه من قبل الجيش العراقي الى بغداد تحديدا ملجأ العامرية مع اشخاص اخرون لك يحافظوا عليهم و لأنهم يحملون الجنسية اليمنية التي كانت حليفة لبغداد في تلك الفترة.

"لم لا يعرف ملجأ العامرية الملجأ كان يتسع لـ1500 شخص، يمكن أن يلجأوا داخله لأيام دون الحاجة إلى العالم الخارجي، فهو مجهز بالماء والغذاء والكهرباء والهواء النقي غير الملوث. الملجأ كان مكوناً من 3 طوابق ومحصن بالخرسانة".

‏حتى يوم ١٣ فبراير ١٩٩١ عندما علمنا من الاخبار بأن ملجأ العامرية تم استهدافة بقنابل أمريكية (ذكية) و أتذكر كلمة(ذكية) جيدا، لانها كانت المره الاولى التي نسمع بمثل هذا المصطلح (قنابل ذكية) تستهدف الجنود ولا تصيب المدنيين و توجه بأشعة الليزر و هو نفس الشعاع الذي كان يحلم به أبي لعلاج عينية.

‏تصور معي عزيزي القارئ أنك تكون في اليمن و لديك ابن يعيش في ملجأ العامرية في العراق على بعد الالف الكيلومترات و تعرض لك شاشة التلفاز مشاهد جثث متفحمة و اشلاء و بقايا بشرية محترقة و سواد عظيم يغطي المكان  و حديد لأسرّة منصهره و تجد ما قد يكون اشبه كرسي بعجلات مرمي يشابه كرسي أبنك المقعد و فوق الكرسي جسد قد أحترق متفحمة و يأتيك اتصال من بغداد يخبرك بأن أبنك قد استشهد.

‏و كأنهم يقولون لك أنساه فأنت لن تعرف مدفنه و لم تودعه ولن تكرم مثواه بنفسك و تطمن عليه،  و فوق هذا رأيت أشلاء الجثث قد تكون له عبر التلفاز، فتسمح لعنات تطال صدام و امريكا و الامه العربية و الامم المتحدة في وصلة نواح مستمره من أم الثكلاء بفقدان ابنها بتلك الصورة وهي من اخذته الى هناك لكي يعيش حياة افضل.

‏تمر الايام و كنت أعتبر هذا الحدث أكبر حدث لي في هذه الدنيا بعد حرب ٨٦م و لكن تعدي علينا حرب ١٩٩٤م و ثورة ٢٠١١م و حرب ٢٠١٥م و المستمرة الى اليوم، بكل الكوارث و الخسائر و الاضرار النفسية، لتبقى حادثة ملجأ العامرية متوغلة في ذاكرتي بشكل ليس له تفسير حتى الأن.