السودان مر بعدة حروب و صراعات سياسية و نزاعات انفصالية طوال عقود حتى وصل الحكم الى الرئيس الحالي البشير، و نتج من هذه الصراعات تدخلات خارجية داعمة لانفصال جنوب السودان عن شماله و هو الصراع الرئيسي و أيضا تغذية نزاعات انفصالية في مناطق أخرى هذا غير الضغوطات الدولية و العقوبات الاقتصادية الأمريكية حتى وصلت لمحكمة العدال الدولية في لاهاي و اتهام البشير بجرائم حرب.
و مع هذا كله وافق البشير بعد حرب طويلة مع قادة جنوب السودان على إقامة حكم ذاتي يتبعه استفتاء ليقرر الجنوب مصيرة تحت إشراف الأمم المتحدة و هو يعلم ان النتيجة محسومة لصالح استقلال الجنوب، كل هذه الضغوط و الانقسام الكبير في الارض السودانية التي لم تكن مقسومة من قبل، سوف تؤدي بكل تأكيد لإضعاف النظام السياسي و الاقتصادي لدولة.
أو ما كان يظن، ولكن ما حدث بعد الانفصال لم يضعف النظام السوداني ولم يتأثر بشكل الذي يظهر للمتابع من الخارج و كأنه رمى حملا ثقيلا من على كاهلة و تفرغ لمسألة التقارب مع أحزاب المعارضة و الإفراج عن المعتقلين و تعزيز علاقته بجوار العربي و الخليجي و منح تسهيلات خيالية للمستثمرين.
حتى أن عاصفة الربيع العربي التي مرت على باقي الدول العربية الملاصقة له، لم تعصف به رغم المحاولات من خلال الغلاء و الحريات، و ايضا عزز اقتصاد السودان بتوفير الاموال التي كانت تصرف على الحرب مع جنوب، هذا غير ظهوره كمحكم بين أطراف الصراع السياسي في دولة جنوب السودان (على فكرة هذا اسمها بعد الانفصال ولم يتخلى جنوب السودان عن سودانيته) ودعاهم أكثر من مره لتفاوض في الخرطوم.
و كذلك هناك من يرى بأن البشير لم يوافق على انفصال جنوب السودان الا لأنه سيكون احد المتحكمين بمقاليد الدولة الوليدة في الخفاء لمعرفته الطويلة وعلاقته المتشعبة مع قادة و زعماء القبائل في الجنوب و هذا ما حدث فعلا.
فالجنوب اليوم يعيش حالة من عدم الاستقرار و الاحتراب الداخلي و الانقلابات المتكرر بين قادة الحزب الواحد و رفقاء السلاح إبان الحرب بين الجنوب و الشمال، مما جعل اصواتا تنادي من داخل جنوب السودان تبدي رغبتها باعادة التوحد مع الشمال، وطبعا كل هذا جعل البشير يتفرغ لقضية دارفور و المناطق الأخرى التي فجأة أصبحنا لا نسمع عنها شيء.
السودان تعطينا دروس في مفهوم رجال الدولة و البراغماتية السياسة، حين تخلى البشير (الاخواني) عن اخوانيته من أجل مصلحة نظامة و ألتحق بدعم دول الخليج (وهو الذي تعلم بقسوة مما حدث بعد غزو العراق للكويت و دعمه لنظام صدام آنذاك ) حتى أنه شارك بجنود سودانيين في التحالف العربي في اليمن، و هذا الامر عجل في رفعت العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة على السودان من سنوات بعد ضغوطات خليجية و تقديم نفسه للعالم بصور أفضل مما كان عليه (الداعم للارهاب).
تذكير فقط البشير البراغماتي اليوم هو نفسة البشير الاخواني المتقلب على اصدقائة في الداخل الداعم لغزو الكويت صديق نظام مرسي في مصر، سلة السلاح الليبي بالأموال القطرية، صديق الإمارات و السعودية و السيسي في مصر،الداعم لتحالف العربي المقاطع لقطر.
في النهاية السياسة فن و خبر تراكمية وتكتسب بالممارسة و التفاوض و ترك الاحلام الوردية جانبا و الالتزام بالواقعية، والبراغماتية ليست عيبا و لكنها تطوير و ديناميكية في اتخذ القرار المناسب باقصر طريقة، نعم هي غالبا تظهرك امام العامة كشخص انتهازي متقلب، و لكن اذا لم تكون كذلك لن تكون ابدا من ( رجال الدولة ).
وعلى قول روبيرت جرين صاحب كتاب قواعد السلطة:
( لك تستطيع السيطرة على السلطة، يجب أن تتمكن من التحكم بمشاعرك ).
( لك تستطيع السيطرة على السلطة، يجب أن تتمكن من التحكم بمشاعرك ).
أبدعت
ردحذفرائع بس لو كنت اعطيت امثله تاريخيه كمان على البرغماتيه بيكون احلى بكثييير برائيي
ردحذفكلام واقعي .. احسنت يا باشا 👍
ردحذف