الثلاثاء، أبريل 10، 2018

الشخصية الشعبوية و تأثير العقل الجمعي

إن ‏من أكبر العقبات الخطيرة التي تواجه نمو حس الادراك و التفكير المنطقي السليم و استخدام ميزات العقل البشري الاساسية، هي انسياقك الشخص طواعية خلف عاطفة العقل الجمعي و الخطاب الشعبوي بالمطلق، فتجعله لا يبحث عن حلول بقدر ما يبحث عن شماعة يعلق عليها الاخطاء و خلق مبررات غير حقيقية.

الشخصية ‏الشعبوية لا تكون رأي مبني من منطلق منطقي، ولكن من مفهوم عاطفي، فالشخص الشعبوي دائما يحب أن يسمع ما يذغذغ به مشاعره و يأتي على هواه و يبحث عن الشبيه في الفكرة و العاطفة بغض النظر عن أي شيء، و ان تحدثت معه بالعقل و بما يخالف عاطفته التي تربى عليها فسوف يغضب منك و يششك في ولائك.

هذه الشخصية تعود للتفكير المنطقي عندما تصاب بالصدمة أو يحدث له حدث يشعرها بالندم أو يظهر له مدى كونه مخطئ في تسليم عقله و السير خلف العقل الجمعي بدون وعي، مع ان عقله الباطن يقول له دائما ان قضيته عادله، و لكن مع اول حدث لعقل الجمعي يحكي عقله الباطن، يستعيد تفكيره الشعبوي بكل سهولة و يزيح المنطق عن طريقة.

لهذا فإن الشخص الذي يستطيع أن يخرج من دائرة الفكر الشعبوي، يكون قد مر بتجارب عديدة حتى استطاع الاقتناع بشكل أو بأخر بعدم الانسياق وفضل إعمال العقل و أغلبهم للأسف يتحولون إلى ممارسة أسلوب غير عقلاني في إثبات خطأ ما كانوا عليه، وهذا ما يزيد تقوقع الشعبوي أكثر حول فكرته.

ان ‏الشعبوية (كفكرة) هي أحد ركائز العمل السياسي و الاجتماعي و هي تعتبر منهج سائد في جميع دول العالم خصوصا في حالة الحروب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، لهذا تتمحور الشعبوية في خطابها على الأمل و المستقبل مع الخوف و كراهية الاخر بشكل مطلق، للحفاظ على الجماهير.

وهذا ما يعتمد علية اليمين المتطرف في أوروبا و امريكا للحشد في تظاهرات و خطابات شعبوية تزيد الكراهية ضد المسلمين و الأقليات الأخرى، فلنأخذ ترامب كمثال على الخطاب الشعبوي و نجاحه، و عن كيفية استغلال (الفكر الشعبوي أو العقل الجمعي) في مخاطبة (الشخصية الشعبوية) لغرض الوصول للحكم و التمرد على السائد.

الشعبوي (كشخص) ينساق خلف فكرة (العقل الجمعي) مع انه يعتبر آني و وقتي ليس له ديمومة بالعمل السياسي، فقد يستدعى فقط لتلبية احتياجات السياسي في وقت معين مثل الانتخابات و الحروب و الازمات... و لكن بعدها مباشرة يتم تجاهله و تجاهل هذا الخطاب و ينظر له كغوغائي فيما إذا تعارضت المسارات بين العمل السياسي و توجه الشخصية الشعبوية.

‏جميعنا شعبويون في الأساس و لكن القليل منا من يمتلكون القدرة على الخروج من نمط ( العقل الجمعي/ الفكر الشعبوي) ليكون مفكر و منظرا يقود هو (العقل الجمعي)، و هؤلاء هم من يجب التحاور معهم و الاستفادة من رؤيتهم، و جعلهم قيادات، لأنهم هم من يحركون الشخصية الشعبوية لدى الجميع.

نتذكر جميع موجة الثورات العربية في 2011م و التي كانت أكبر تجمع للعقل الجمعي الذي تنساق بدون وعي خلف عاطفته في إسقاط الأنظمة العربية (الظالمة) الذي تحول إلى سلوك جمعي يتحرك على الأرض يتغذى عبر وسائل الإعلام التي كانت تزور الوعي الجمعي لاجل تسيطر على السلوك بكل يسر لصالح أجندات خاصة مستغلة حاجة المواطن العربي للتغيير.

إن عدم إدراك الفرد لحقيقة أن تأثير العقل الجمعي قد يقوده لإراديا إلى فعل أشياء و اكتساب سلوكيات تلغي الوعي و الضمير، فتجعل الهدف الأسمى هو هدف الجماعة فوق هدف الفرد، و تعتبر كل مخالف لهذا الهدف و ان كان اختلافه معه حول أشياء ثانوية هي بمثابة خيانة أو مدفوعة من الخارج.

فنتحول من الشعبوية إلى الشوفينية و التي تعني ‏(الوطنية المفرطة) و تعرف في علم الاجتماع بأنها المغالاة في الاعتقاد و التعصب الأعمى، مع غياب رزانة العقل و الإفراط في الانتماء و التفاني في التحيز لها مع العنجهية في التعامل و الحط من شأن الجماعات السياسية أو العرقية الأخرى بشكل دوني.

و ذلك عبر إطلاق الاتهامات الجزافية و استخدام مصطلحات ذات مدلولات و قولبة الآخرين في قوالب نمطية تسهل في تصنيفهم كأعداء و الإعلان عن نشر أسماء الخونة و أعطى الفرص للعودة إلى آخر الأساليب القمعية و الترهيبية التي تستخدم للمحافظة على أعضاء العقل الجمعي متحفزين.

و هذا أخطر ما يقدمه لنا (الخطاب الشعبوي و العقل الجمعي) فبدون إدراك الفرد لهذا المطب فإنه يساهم بشكل فاعل في التمكين في تأسيس نظام شمولي جديد و إعدام للحياة السياسية في المستقبل، بحجة ان الان يجب أن نكون صوتا واحدا و في المستقبل يحلها الباري.

إذا إلى متى سوف نظل منساقين كأفراد خلف السلوك و العقل الجمعي و الخطاب الشعبوي بحجة الانتصار للوطن و القضية و دعم الجهة السياسية التي ننتمي اليها و خلق زعامات جديدة مقدسة ؟

الإجابة اتركها لكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق