عندما ينشر أي
خبر على موقع الفيسبوك أو تويتر, فأنك من الطبيعي تشك في صحته من الوهلة الأولى,
لأنك تعلم بأن من قام نشر الخبر هو شخص عادي زيك لا تنطبق عليه الشروط و الآداب المهنية
المضبطة للعمل الصحفي, و لكن عندما تنشره وسيلة إعلامية معتمدة, كالصحافة مثلا, فأنك
من الطبيعي أن تصدقها, باعتبار أن الصحافة لها مصادر معلومات و اتصالات و فلتره
و تنقيح و تصحيح و مراحل كثيرة يمر بها أي خبر قبل أن ينشر, و لكن في تدوينتي
هذه سأتكلم عن الصحافة اللي لا فيها مصادر و لا اتصالات ولا حتى فلتره أو مجرد تأكيد
من أن الخبر المنشور صحيح فعلا.
و أصل الحكاية
يا سادة يا كرام, أنه قبل يومين انتشر خبر على موقع الفيسبوك, مفاده أن الإعلامية
في قناة الجزيرة خديجة بن قنه أجرت استفتاء حول كيفية معالجة القضية
الجنوبية على صفحتها في الفيسبوك!, و اللي طلعت فيه نتيجة الاستفتاء بهذه النسب 48%
لفك الارتباط, و 41% للوحدة, و 11% للفدرالية, مع شوية تفاصيل عندما تقراه تشعر
بأن من كتبها ليس ألا شخص جنوبي!!, طبعا الجنوبيين فرحوا و هيصوا و زغرطوا و نشروا
الخبر و اللي علّق و اللي عمل لايك و اللي عمل مشاركة و اللي شكر, و اللي حول
خديجة بن قنه إلى سوبرهيرو الجنوب, إلى أخر الألقاب السيس, و ياليته طلع خبر صحيح
عشان افرح أنا كمان L.
طبع الخبر
منشور فعلا, في صفحة اسمها (خديجة قنه) و عدد من مشتركيها لا يتجاوز الـ 400
شخص!؟, يعني ببساطة لما تجلس مع نفسك و تفكر شوية و تحسبها, يعني خديجة بن قنه
مذيعة قناة الجزيرة و الإعلامية المشهورة, عدد مشتركين صفحتها 400 واحد بس!!!, يا
شيخ!, هذا حتى مش عدد العاملين في قناة الجزيرة, أو عدد عيال حافته في الجزائر, أو
حتى في قطر, حتى الصفحة دي اللي فيها 400 واحد تم حذفها أو بمعنى أخر حذفها من أنشأها مؤخرا.
و لم دققت في
الموضوع - نتيجة خبرتي المطاطة في مواقع التواصل الاجتماعي - وجدت أن الصفحة
المنشور فيها هذه الاستفتاء ليست صفحة الإعلامية خديجة بن قنه الحقيقية, و التي
كنت أتابعها منذ فترة طويـــــلة على الفيسبوك, و مرتبطة بحسابها الشخصي على توتير,
و هي باسم (خديجة بن قنه) و عدد متابعيها يتجاوز 90 ألف مشترك,
مش 400, ركزوا!.
و أقولها على
بلاطه الصفحة اللي اسمها (خديجة قنه) مزورة زي صفحات كثيــــــر و بنفس
الاسم على الفيسبوك, يعني نحن أنضحك علينا بخبر هذا الاستفتاء, الذي ذبذب مشاعرنا,
لكن قلت في نفس و ايش يعني؟ خبر كاذب و يجزع مفيش مشكله, و نحن شعب ذكي و نتعلم من
أخطاءنا؟, و الموضوع أصلا فيسبوكي يعني مش مهم, لكن المصيبة أن أغلب المواقع الإخبارية
الجنوبية أعادة نشر الخبر و اللي هو في الأصل خبر كاذب و ملفق باسم الإعلامية
خديجة بن قنه, و اللي زاد و غطا, أن الخبر تم نشره في الصحافة المطبوعة و في الصفحة
الأولى كمان!!, نحن صحافتنا هبله بشكل.
يعني أنا اقبل
أن المواقع الإخبارية تغلط, لأنها عندهم سرعة في النشر و العملية كلها نسخ و لصق و
زر انشر و الباقي على ربنا إلا من رحمه ربي, بس عندهم خيار مهم, و هو الحذف!, يعني
أول ما يعرف انه غلطان يقوم يحذف على طول, طيب الصحافة المطبوعة تحذفه كيف؟!!!!.
و لم صحيفة زي
صحيفة الطريق تنشر الخبر و منشت عريض صفحة أولى, و يطلع الخبر كاذب تحذفه كيف؟!!,
خلاص مفيش حذف, و الفأس وقعت في الرأس, مفيش غير حل من اثنين, يا الاعتذار لقرائها
في العدد القادم, و طبعا هذا حل مستحيل!, أو أن رئيس تحرير الصحيفة يطلع و يقولنا
أن الخبر صحيح و هو محتفظ بالمستندات و الوثائق و سيدهات تأكد صحة ما نشرته
الصحيفة!, و أنه يعتذر للجمهور الكريم عن تكتمه على مصدر الخبر, بحجة حماية
المصادر الصحفية!!!, أحه.
هل تتصور معي أن
صحيفة مثل صحيفة الطريق ليس لها مصادر معلومات و اتصالات تستطيع من خلالها التأكد
من صحة مثل هذا الخبر من مصدره الرئيسي, هل تتصور أن صحيفة الطريق لا يوجد بها (من
الخبرات المتراكمة) التي تستطيع من خلاله القيام بفلترت و تنقيح و تفنيد, لأي خبر قبل
أن ينشر على صفحاتها, للأسف تصور ذلك, و مع هذا الخبر تحديدا, ايوه لا يوجد شيء
مما ذكرت, و الصحافة المطبوعة عندنا أصبحت مجرد ناقل لأي كلام ينشر على الفيسبوك
على ألفاضي و المليان المهم انه يناصر القضية التي تتبناها الصحيفة!!!.
القضية يا إخوان
ليست في نتيجة الاستفتاء سوى كانت لصالح قضية أنا أتبناها أو أنا ضدها, و لكن
القضية قضية تضليل إعلامي بحت, شاركت فيه جميع المواقع الإخبارية و الصحف الجنوبية
التي تبنت نشر هذا الموضوع.
لنفترض
جدلا بان الاستفتاء كان صحيحا, ما هو العائد أو المكسب السياسي المترتب لصالح القضية
الجنوبية من نتيجة هذا الاستفتاء؟, هل سوف يعزز لدينا القناعة بأن القضية عادلة؟, هل
سوف تجعل هذه النتيجة الجنوبيين من (حزب الكنبة أو محبين الاستقرار),أن يتخذوا و لو
خطوة واحدة للمناصرة قضيتهم؟, هل سوف نأخذ نتيجة الاستفتاء و نذهب بها إلى مقر الأمم
المتحدة لأجعلها تتبناه, أو سوف نستطيع أن نلزم قناة الجزيرة بتغطية أوسع لنشاطات
الجنوبية في نشراتها الإخبارية, أو نطالب بفك الارتباط فورا, و كأن هذا الاستفتاء
أصبح استفتاء شعبي رسمي!!!, الإجابة طبعا:و لا شيء مما ذكرت!!!, أضف على ذلك أن
الاستفتاء أصلا لا وجود له, اللهم موجود على صفحة في الفيسبوك تنتحل أسم شخصية إعلامية
مرموقة و بها 400 معجب!!.
نحن كم عنينا
منذ سنوات طوال من التضليل الإعلامي بكل صوره المعروفة, اللي وصلت إلى حد الكذب و
الافتراء و اختلاق القصص الواهية عبر وسائل إعلام المرئية و المقروءة و المسموعة
(الرسمية أو الخاصة), و إغلاق المؤسسات الإعلامية الجنوبية و تهديدها, كل هذا
لتغييب الوعي في الجنوبي و الشمالي أيضا, عن ماهية القضية الجنوبية ( قبل و بعد
الثورة), و للأسف أقولها اليوم نحن أصبحنا قاب قوسين و أدنا من أن نكون مثلهم
بنشرنا أخبار كاذبة بدون أي تمحيص أو تفحيص, و أعطينا الفرصة و الحجة بتغيب وعينا
(سميها زي ما تسميها, غباء, تهور, عاطفة, دحلبه, حكوال, تعريص) لمن يريد تشويه
قضيتنا أمام الرأي العام ليس اليمني فقط, بل و العربي كمان.
ما موقفنا لو الإعلامية
خديجة بن قنه طلعت و قالت أنها لم تجري أي استفتاء على صفحتها؟, أحه ايش
بنسوي!!!, المصداقية سوف تضيع, و يطلع علينا مسيو عبده الجندي و لا قناة سهيل تشكر
الإعلامية خديجة بن قنه على توضيحها و دحض افترائتنا عليها!!!. اوباااا و نكون
وقعنا في نفس الفخ اللي وقعت فيه قناة الجزيرة عندما نشرت فيديو لتعذيب السجناء فيالعراق و قالت بالخطأ بأنه في أحدى سجون اليمن, طلع الإعلام اليمني الرسمي (في نظام
المخلوع) نافش ريشه يتكلم من النخر على ما أسموه (تضليل قناة الجزيرة ضد النظام
الرئيس صالح و علاقته بمخطط قطري إسرائيلي أمريكي لتشويه صورة حاكم و رمز اليمن
الولد البار ... الخ), و أغلقت مكاتب قناة الجزيرة في صنعاء, و سحب منهم
التصريح, و نتيجة لهذا تأثرت شريحة من (حزب الكنبة) بكلام مسيو عبده الجندي عن
الجزيرة, ليس لان عبده الجندي قال شيء و خلاص لا و مدعوم بدليل, فهم تأثروا لأنهم
وجدوا قرينة أو دليل دامغ على خطأ الجزيرة و على ما يريدون فعلا أن يصدقوه, زي طرف
ثالث و مؤامرة خارجية و تمويل من دول معادية.
و الآن قس على
ذلك ما يحدث من تشويه إعلامي ضد القضية الجنوبية و اتهمها بأنها مسلحة و مرتهنة
لإيران و القضية التشيع و حرق القران و مسئولية الفوضى الحاصلة في البلاد و أنها
قضية مطالب و ليست حقوق, و إلى أخر هذه الاتهامات الباطلة, و أضف الآن
التشكيك في وسائل إعلامنا الجنوبية خصوصا المطبوعة, و دق إسفين (مسمار صلب) بينها
و بين إعلاميين كبار في العالم العربي, في الوقت اللي نحن في أشد الحاجة لرفع درجة
وعي المواطن الجنوبي بأبعاد قضيته و حقوقه الأساسية, بمشاركة جميع الوسائل
الإعلامية في الداخل و الخارج.
أتمنى آلا
يتكرر مثل هذا الأمر مرة أخرى, و هذا لن يكون إلا بتفعيل شروط و آداب مهنة الصحافة
و استخدامها مع خبرات العمل الصحفي, و هنا أقول (ليس المهم أن ننشر الخبر,
المهم هنا, أن نكون ملمين بتفاصيل الخبر قبل النشر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق